أرشيف

ثريا) .. حكاية حب كشفت نهايتها قصاصة ورق معمدة بالدم..!!

تسع سنوات بلياليها وأيامها، بصباحاتها ومساءاتها، بحلوها ومرها اختزلتها ثريا بقصاصة ورق مكتوب عليها "عفواً حبيبي لم أستطع إسعادك وأمانتك وحيد" كلمات قليلة أسالت المدامع التي لا تعرف البكاء، وزلزلت أرواح كل من قرأها، وطوت بها صفحات من حكايات اغتراب طويل بحثاً عن السعادة.

الصباح كان مشرقاً ونور شمسه يسطع في أعالي الجبال وثريا كعادتها نحلة تغزل بسيقانها الناعمة ردهات المنزل لكن الأمنيات لم تعد تتراقص حول حدقاتها.. ففي تلك اللحظات كانت تسمع أقدام الزمن تطوي أيام الغرام، وفي تلك الثواني كانت تنسج من الأحزان دروباً طال فيها مشوار الرحيل.. لقد أعدت ثريا طعام الإفطار وجهزت الملابس وحقيبة العمل لرفيق عمرها وهديل فؤادها وزفرت بآه مزقت به سكوتها، وجفونها وقبل أن تدلف قدما عمر باب المنزل نادته ثريا باسمه وطلبت منه العودة إلى الغرفة، وهناك سلمت خدها لصدره وذابت في أنفاسه وقبلته وانهمر? الدموع من عينيها فتسمر عمر في مكانه وهو يشاهد زوجته على غير عادتها في هذا الموعد الذي تودعه فيه بابتسامة ولفظ "مع السلامة"، فما الذي جرى اليوم حتى يكون منها هذا؟ فحاول أن يستوضح الأمر منها لعلها تكون مريضة، لعل هناك مكروها حدث مع أحد أفراد أسرتها؟ لكنها اكتفت بهز رأسها موحية بالنفي عن كل سؤال منه، فهي ترى أنها قد انتهت إلى فراغٍ كالعدم.. وسنين عمرها تتناثر كشظايا في طريق اللاعودة.. والمرأة المعلقة على الحائط تخبرها أن الاندثار يتدافع كشلالات على وجنتيها.. ومع إصرار عمر على معرفة سبب حالها هذا حاولت ثريا ض? أشتاتها وردت عليه: لقد تعبت من كثرة المشاكل كل يوم واكتفت بتلك الإجابة حيث كانت ثريا وحماتها وأخوات زوجها في حالة صراع لا يتوقف ولأتفه الأسباب، وكانت أم عمر ترى ثريا كأنها شيطان.. فلا تقبل منها كلاما ولا عملا، وكانت دائماً تُخير عمر بينها وبين زوجته.. ولم يكن يمر يوم دون أن تشتكي له من زوجته حتى ضاق المكان والزمان بالزوجة من تصرفات حماتها واشتكت لعمر كثيراً لكنه كان دائماً يطلب منها الصبر، فهذه والدته وهؤلاء أخواته وهو عائلهم الوحيد بعد وفاة والده ولا يستطيع كسر قلب أمه ويرحل بعيداً أو ينفصل عنهم.. ولأن ع?اقة الحب بين عمر وثريا أزلية منذ الطفولة فهي حبيبة الروابي ورفيقة الصبا.. هي دخداخ النسيم وعبق الذكريات.. وهي من سلبت عقله ووجدانه ببريق عينيها وعطرها الساحر.. لذا فقد كان يحاول مع أمه مراراً بأن تكف عن الشكوى بزوجته، فهو لا يستطيع التخلي عنها، ومثله كانت ثريا رغم قسوة حماتها التي لم تجعلها تستمتع بحياتها مع زوجها، وكانت تبتدع لها المشاكل كل يوم، إلا أن ثريا لم تغادر منزل زوجها ولم تذهب حانقة إلى أهلها حتى مرة واحدة، وكانت تمزق نفسها من أجل عمر وتبلسم جراحها بلمسة حانية منه.. كانت ترضى بالسكون والسكوت وتخي? أحلامها في وهم المستقبل، وتسكب أحلام عمرها على أعتابه الظامئة.. كانت تنثر آمالها وأشواقها في غدٍ طال انتظاره.. وكانت تقطف أزهار قلبها قبل الأوان لعل يأتيها يوم من السعادة رسول يبشرها بمقدرة عمر في توفير منزل مستقل لهما، وكانت تكتفي بتنهيدة تزفرها عند عودته من العمل الذي كان هو أيضاً يشعر بضيق نفسي واكتئاب من استمرار الحال على ما هو عليه، وعدم تقدير الحمل الثقيل الذي يحمله، فهو المطلوب منه العمل لتوفير مصاريف المنزل والدراسة لأخواته وتكاليف العلاج لإحداهن التي كانت تعاني من مرض مزمن، ومع هذا لا يجد الهدوء ?الراحة في المنزل، وظل عمر يدغدغ مشاعر زوجته ويمنيها بمنزل مستقل قريب من منزل والدته, لكن انتظار ثريا طال وحتى جاء ذلك اليوم العابس الذي قالت فيه أنها تعبت وطلبت منه ألا يحمل هماً وعليه أن يهتم بعمله وودعته بابتسامة مخلوطة بالدموع وضلوعها تتقطع حسرة على حب وحبيب.. لكن ظهيرة ذلك اليوم لم تكن كباقي الأيام، وعودة عمر إلى تناول الغداء في منزله كانت محفوفة بالحيرة وكانت قدماه ترتعشان وقلبه يخفق هلعاً كلما دنا من منزله وتذكر حال زوجته الغريب.. وعندما دق جرس المنزل دق قلب عمر ودق وفتحت المنزل شقيقته ولم يستقبله ضو? عيني ثريا الذي كان يغسل قلبه كلما قسم ظهره الإخفاق والتعب ليساعده على النهوض من التعثر مرة أخرى.. وعندما دخل المنزل كان كل شيء هادئاً ولا يوجد شيء يدل على فاجعة أو تغير سوى رائحة طعام الغداء المعتادة غير موجودة، فطرق باب غرفته فلم يجبه أحد وسأل أمه وأخواته عن ثريا وابنه وحيد فكان الرد بعدم معرفتهن.. بل واستغلتها الأم فرصة (لتلوكها) ببعض كلمات التشكيك بسلوك ثريا.. فاتصل بأهلها وأبلغوه بعدم مجيئها إلى عندهم، فعاد محاولاً كسر باب الغرفة فلم يفلح فدعا الجيران لمساعدته بكسر إحدى نوافذ الغرفة لتكون الصاعقة التي?سحقت الجميع..

ثريا حبيبة الماضي وكل الحاضر.. ماء الروح وريانه.. واقفة مقيدة إلى ظهر الباب مغسولة بالدماء.. ما يوحي بحدوث جريمة شديدة الغموض.. وعمر في لحظة خاطفة من الزمن يغتسل بالعرق لعله نسى أو قسى، يبحث عن أسباب ما يرى أمامه.. لقد أصبح عارياً لا تظلله شجرة ولا يحضنه جناح، ورفع راية الصراخ والأنين ثم عاد وحبس أنفاسه وهرول نحو الإبلاغ عن الجريمة التي فكت طلاسمها قصاصة ورق صغيرة وجدتها الشرطة أثناء تحريز غرفة الحادثة، موضوعة على الطاولة مكتوب عليها "عفواً حبيبي لم أستطع إسعادك ففضلت الرحيل وأمانتك "وحيد".

وطبعاً وحيد وجد عند إحدى النساء القريبات لثريا، كانت قد أحضرته إلى عندها وطلبت منها الاحتفاظ به إلى حين عودتها من مشوار مهم.

زر الذهاب إلى الأعلى